القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الاخبار
تأمل في هذا المقال قول الإمام أحمد - رحمه الله - : "بيننا وبينكم يوم الجنائز".

ماتت أول أمس الشيخة الفاضلة:
سكينة بنت الإمام محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني -رحمهما الله- وزوج الشيخ الفاضل ماهر بن ظافر القحطاني.

- قالت أختها الشيخة حسانة الألباني حفظها الله:
شقيقتي الحبيبةُ الفقيهةُ سُكَيْنَة... رحمةُ اللهِ عليها

بسمِ الله الرّحمن الرّحيم
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ
من يهدِهِ اللهُ فلَا مضلَّ لهُ
ومن يُضللْ فلَا هاديَ لهُ
وأشهدُ أنْ لَا إلَٰهَ إلَّا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا عبْدُهُ ورسولُهُ أمَّا بعدُ...

• فإنّ القلبَ ليحزنُ
وإنَّ العين لتدمع
وإنّا لفراقكِ يا شقيقتي الحبيبة الرّاقية الرّائعة (سكينة) لمحزونون

• عن أي شيءٍ أتحدّثُ؟ والغصّةُ لفراقها
والألم في القلب لا يعلمُ عمقَهُ إلّا الله!
كلُّ النّاسِ يحبون شقيقاتِهمْ
لكن (سكينة) بالنّسبةِ لي تختلف!

• سُكَيْنَة! كانت توأمي رغم الفارق بيننا في السّنّ
رفيقة عمري، وأنس دربي
عندما تُذكر حسّانة، تُذكرُ معها سكينة
كانت حياتنا نمتثل فيها الآية الكريمة في سورة "طه":
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}.
فكنّا فيما نراهُ من فتنٍ وقيلٍ وقالٍ، نتساعدُ لننأى عنها
نشدُّ من أزرِ بعضِنا
وننبِّهُ بعضنا
ونثبِّتُ بعضَنا
ونتثبَّتُ لئلَّا نصيبَ أحدًا بجهالةٍ
ونرشدُ بعضَنا إلى البعدِ عنها.
وننصحُ بعضَنا أن نكونَ خيرَ سلفٍ لدعوةِ والدِنا رحمةُ اللهِ عليهِ؛ فلَا نفرِّطَ فيها
فنموتَ على السُّنَّةِ متمسِّكينَ بها.

• سُكَيْنَة! التي أعطاها والدها شهادة (فقِيْهَة)
وقلَّما سألناها سؤالًا فقهيًّا؛ إلَّا وأجابت عنهُ إجابةَ العلماء
ومع ذلكَ، كانت مخفيّةً تختبئُ منَ النّاسُ تواضعًا
وتحتقرُ نفسَها، وتقولُ: "أنتم مخدوعونَ فيَّ لستُ بعالمة ولَا شيء"!

• سُكَيْنَة! التي خرج لها مؤخَّرًا كتابًا مميَّزًا رائقًا ندرَ نظيرهُ؛ بعنوان "سألتُ أبي"!
فلحقتْ بأبيها!
جمعهما الله في الفردوس الأعلى.

• سُكَيْنَة! البارَّةَ بأُمِّنا، فأينما جلستْ أمُّها جلستْ
حتَّى إنَّها تنقلُ مكتَبها وكتبها حيثُ تجلسُ أمُّها!
وتنامُ بجانبِها -إلى أن تزوجتْ- وتتلمَّسُ بيدِها تنفُّسَ أمِّها وهي نائمةً؛ اطْمئنانًا على صحَّتِها.
فلحقتْ بها بُعيدَ وفاةِ والدَتِنا الحبيبةِ بخمسة أشهر تقريبًا.
جمعهما الله في الفردوس الأعلى.

• سُكَيْنَة! التي كانت تهرب من النّاس خشيةَ أن تؤذيَ أحدًا وهي لَا تشعرُ
ومع ذلكَ، كانت محطَّ نظرِ من يراها إعجابًا وتعجُّبًا!

• سُكَيْنَة! التي كانت (كالأطفالِ) في براءتِها ولطفِها طوال حياتِها إلى مرضِها فمماتِها!

• سُكَيْنَة! كانت مرجعًا لإخوانها وأخواتها وأبنائهمْ استفتاءً بعد وفاةِ والدي -رحمةُ اللهِ عليه وجمعها بهِ في الفردوس الأعلى-.

• سُكَيْنَة! التي ابْتُليتْ بأشدِّ الآلام
وقد لَازمْتُها طيلةَ مرضِها؛ فما سمعتُ منها سوى أنينٍ يسيرٍ جدًّا
حتى يخالُ من يسمعُها أنّ مرضَها يسير؛ لكنَّهُ في جوهرِهِ أليمٌ شديدٌ
ممّا أرجو لها أنْ يرزقها اللهُ أجرَ (الشّهادة).
لم تتسخطْ يومًا أو تشتكِ؛ بل تعودُ باللَّائمةِ على ذنوبِها وتقصيرِها مع ربِّها.

• سُكَيْنَة! الحريصةُ على العملِ بالسّنَّةِ بكلِّ تفاصيلِها
فأينَ ثمَّ الدّليل أخذتْ بِهِ، وحثَّتْ عليهِ
ولقد كان (المسواك) في يدِها دائمًا.
ويسَّرَ اللهُ لها دَفنَها (لحدًا) كما السُّنّة
وصلَّى عليها المئاتُ إن لم يكنِ الآلَافِ في الحرمِ المكّيَ الشّريف.

• سُكَيْنَة! المطيعةُ لزوجِها؛ فكانَ ما يعرِضهُ عليهِ زوجُها -الفاضلُ- تقبلُهُ بلَا نقاشٍ
وتقولُ: "هو يريدُ ذلكَ"، ولَا تزيدُ على هذِهِ الجملة!
وكانتْ تتركُ الكثيرَ من أعمالِها لتسمعَ دروسَ زوجِها المباشرةَ عبرَ الشّبكةِ، فلَا يفوتُها.
وماتتْ وهيَ راضيةٌ عنْهُ، تشهدُ لهُ بصلَابةِ الدِّينِ، واتّباعِ الأثرِ، وحُسنِ الخلقِ والتّعاملِ معها
وهو راضٍ عنها، فقدْ كانتْ هيَ كذلِكَ معهُ.

• سُكَيْنَة! كانت تخافُ من عذابِ القبرِ جدًّا! وتخشى عل نفسِها منْ عدمِ الثّباتِ!
كانَ وجهُها -بعدِ غسلِ الميت- كوجْهِ العروس، مع ابتسامتِها الخجولةِ البريئة!!

• سُكَيْنَة! كانت لَا تحتملُ نصف ساعةٍ من سماعِ اللّغو
بينما تجلسُ بالسّاعاتِ على سماعِ ومدارسةِ العلمِ الشّرعيّ لَا تملُّ!

• سُكَيْنَة! فارقَتْ مكتبَها و كتبَها ودفاترَها التي رقَّمتْها وفهرستها بنفسِها
والذين كانوا سلوةً لها في الحياةِ
فتركتْ لنا حسرةً وألمًا وعذابًا كلَّما رأينا تلك الكتب من غيرِها!

• سُكَيْنَة! كانتْ حياةً لي ونفسًا في الحياةِ!
دراستي معها
سماعي للدّروس معها
كتابتي معها
أكلُنا شربُنا
عرضنا للقرآنِ الكريم وبعضَ القراءاتِ على بعضِنا
وكان لنا جدولٌ لقراءةِ بعضِ الكتبِ الشّرعيّة، ولكنَّهُ توقّفَ بسببِ مرضِها
وحتَّى أثناء شدَّةِ مرضِها كانتْ تقول لي:

"هاتي كتابًا نقرؤهُ"! "تعالي نراجع القراءات"!
ليكون لها فسحةً في ضيقِ آلَامها!
لَا أدري إلى متى أستطيعُ العيشَ من ْغير مشاركتِها لي في تفاصيلِ حياتي
فما افترقْنا طيلةَ حياتِنا حتى توفّاها اللهُ عزّ وجلّ.

• سُكَيْنَة!
سكينة..
سكينة..
حبيبتي، ومن لَا يحبُّ سكينة؟!

• سُكَيْنَة! كانتْ بتمسُّكها بالسُّنَّة وبأخلَاقها وفقهِها تذكِّرنا بعائشةَ رضي الله عنها
ولكأنها كانتْ صحابيّةً في هذا القرن!

• سُكَيْنَة! مساحةُ صمتٍ إلى أنْ تطمئن نفسي أنَّها في الفردوسِ الأعلى
وقدْ عوَّض اللهُ صبرَها، وحرمانَها منَ الكثيرِ منَ ملذَّاتِ الحياةِ، ومعاناتها الصّامتة

• سُكَيْنَة! عزائي وضمادي في فقدِها وفقدي لمن قبْلَها أحبَّتي: (والدي ووالدتي وشقيقي عبد المصور)
هو: هم السّابقون ونحنُ اللّاحقون!
وقولُه عليهِ الصّلَاةُ والسّلَامُ: ((إذا أصيب أحدكم بمصيبة؛ فليذكر مصيبته بي؛ فإنها أعظم المصائب))!
[صحّحهُ والدي -رحمةُ اللهِ عليهِ- في "الصحيحة"، 1106].
أسألُ اللهَ الحيّ القيّوم لها الفردوسَ الأعلى، وأنْ يجعلَ قبرَها روضةً من رياضِ الجنّة
وأنْ يوفِّيَها أجرَها بغير حسابٍ على صبرِها على مشاقِّ الحياةِ ومرضِها
وأن يُلحقَها بالنّبيِّينَ والصّدّيقينَ والشّهداءِ والصّالحينَ وحسُنَ أولئكَ رفيقًا
 وأنْ يصبِّرني على فراقِها
ويزيلَ عنّي وحشةَ حرماني من أُنسِها
ويبرِّدَ قلبي بالثّلجِ والماءِ الباردِ
فلَا أحدَ يحِلُّ (مكانتَها) في فؤادي وحياتي.
والحمدُ للهِ على كلِّ حال.
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
كتبتْهُ بِرًّا بسُكَينة: شقيقتُها حَسَّانة.
الأحد 4 ربيع الثاني 1441هـ‍

حَسَّانَة بنت محمد ناصر الدين الألبانيّ
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع